شهدت مجموعة من الدول العربية انتفاضات متنوّعة بحسب طبيعة البيئة الاجتماعيّة والأنظمة الحاكمة، وانطلاقًا من مجالها الإقليمي وموقعها الجيوسياسي. كما اختلفت أدوات إدارة هذه الحوادث والحلول المطروحة لإيقافها أو الحد من تصاعدها. لقد جاءت الانتفاضات العربية ضمن حقبة متميزة من تاريخ العلاقات الدولية بحكم تعرض النظام العالمي إلى تحولات عميقة من حيث الأطراف الفاعلة والمؤثرة، وكذلك من حيث طبيعة الأزمات التي اختلفت شكلًا ومضمونًا عن تلك التي تعرّض لها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. هذا التحول طرأ أيضًا على مفهوم الأمن، إذ لم يعد يتحدد في الدفاع على الوطن فقط، بل أصبح يستوجب أيضًا تسوية النزاعات الخارجية قبل أن تتحول إلى عوامل تزعزع الاستقرار الإقليمي. وقد صاحب هذه التحولات سعي القوى الكبرى إلى إشراك منظمة الأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، من خلال توسيع اختصاصات مجلس الأمن عن طريق طرح بعض المفاهيم الجديدة التي تلائم طبيعة الصراعات والأطراف المتنازعة، والتي يمكن من خلالها التوفيق بين مبدأ عدم التدخل ومبدأ السيادة. فكيف تعاملت الدبلوماسية الجماعية مع انتفاضات ما سمّي "الربيع العربي"؟ انطلاقًا من هذه الإشكالية يحاول هذا البحث التطرق إلى تقنية إدارة الأزمات في حقل العلاقات الدولية بصفتها وسيلة ترتكز على مقومات قانونية / دبلوماسية بغرض احتواء أزمة معينة، بما أنّها أنجع الوسائل لاحتواء الأزمات التي قد تؤثر بشكل ما في توازن النظام الدولي. وتتطلب هذه العملية كثيرًا من الحكمة والحذر في التعامل مع نوع جديد من الحروب، خاصة أنّ الأمر يتعلق بأزمات داخلية يعود حلها بالدرجة الأولى إلى أجهزة الدولة المعنية.