على الرغم من إرث النزاع والتنافس على النفوذ الذي شهدته العلاقات الروسية – التركية منذ قرون، فقد شكّلت الظروف الاقتصادية والمتغيرات السياسية التي تشهدها الدولتان منذ بداية القرن الحادي والعشرين فرصةً لإعادة النظر في طبيعة علاقاتهما السابقة. فبوصفهما دولتين كبيرتين متجاورتين، وتتبنيان إستراتيجية جديدة لاستعادة الدور الفاعل على الساحة الدولية وإحياء المكانة التاريخية، فقد تطلب صعودهما، وبخاصة الاقتصادي، تعزيز التعاون بينهما بسبب وفرة المصالح المتبادلة وتنوّعها. ومع أنّ شراكتهما قد تكرّست في مجالات إستراتيجية عديدة، فلم يؤدِ ذلك إلى تلاشي طموحاتهما التاريخية المتنافسة ولا نزاعهما الإقليمي، وبخاصة في المنطقة العربية. فبسبب طبيعة مصالحهما في المنطقة التي تنطوي على تحالفات مع أطراف متناقضة، أصبح تعزيز دور أحدهما وعلاقاته يعني إضعافًا لدور الآخر ومصالحه. يناقش هذا البحث التقارب التاريخي الذي توصلت إليه روسيا وتركيا، ومجالات التعاون الإستراتيجي ومصالح الدولتين ومكاسبهما، والانعكاسات بعيدة المدى لهذا الترابط على سياسات الدولتين إقليميًا، ويفسِّر التناقض الظاهر بين العلاقات الثنائية المتطورة من جهة، وبين التنافس الإقليمي وتباين سياساتهما في المنطقة العربية من جهة أخرى.