يُعدّ السياق التاريخي والنسق العقائدي من المحددات المهمّة التي ساهمت في إحداث تحوّلات جذرية في توجهات السياسة الخارجية التركية؛ إذ أصبحت تصاغ في الآونة الأخيرة وفق مجموعة من المحددات، وهو ما يظهر توجّه صانع القرار في تركيا إلى ضرورة توطيد علاقاتها بدول العالم العربي والإسلامي، ومنها الجزائر التي تعدُّ من بين الدول الفاعلة في منظومتهما، وهذا ما يعكسه انتعاش العلاقات التركية - الجزائرية وتطورها الذي يُعبّر عن عمق العلاقات التاريخية والثقافية الموجودة بين الشعبين، إلى جانب إدراك قادة البلدين حقيقةَ التحديات التي تواجههما. إنّ المقاربة التي اعتمدتها تركيا في سياستها الخارجية المتمثّلة بـ "تصفير المشكلات" مع جيرانها وتوسيعها، لتشمل فضاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تقتسم معها مجالًا تاريخيًّا وثقافيًّا مهمًّا، عزّزت توجهها نحو توطيد علاقاتها بالجزائر بوصفها دولةً محوريةً في هذا الفضاء، كما ساهم في ذلك التقارب في المواقف والرؤى المتعلّقة بالعديد من القضايا المركزية، وأبرزها القضية الفلسطينية التي تحمل بالنسبة إليهما رمزيةً دينيةً وتاريخيةً كبيرةً؛ ذلك أنها تمثّل نقطة التقاء بين مواقف البلدين. وفي هذا الصدد، عرفت الدبلوماسية التركية تحوّلًا في هذا الشأن؛ إذ أصبحت تميل نحو اعتماد توجهات ومواقف عدائية ضدّ الكيان الصهيوني، وهو توجه طالما اعتمدته الجزائر في سياستها الخارجية منذ الاستقلال بوصفها قضيةً مبدئيةً مازالت تشغل بال البلدين. وعلى هذا الأساس يتجلى تأثير العوامل الدينية والتاريخية في تحديد التوجهات الجديدة لسياسة تركيا الخارجية نحو تعاونها مع الجزائر وتكثيف جهدها لتوطيد علاقاتها بها. ويمكن إرجاع ذلك إلى أنّ الشعور بالانتماء إلى الأمة الإسلامية والتاريخ المشترك يمثّلان منطلقات بالنسبة إلى سياسة الخارجية التركية.