انطلقت الخطوات الأولى لما عُرف بمسار العدالة الانتقالية في خضم مجريات الثورة التونسية وما تلاها. ثم جرى التفطن سريعًا إلى ضرورة وضع إطار قانوني مكتمل الأركان يضمن حقوق الضحايا والمجرمين في الوقت نفسه. وما إن تمّ التصديق على قانون العدالة الانتقالية حتى بدأ المسار يتعثر في كل خطوة يخطوها، وبدت مخرجاته وحصيلته، في ظل أوضاع حزبية وسياسية متقلبة وباهتة وغير مؤكدة. قادتنا هذه الحقيقة إلى استنتاجٍ مفاده أنّ المشكلة الرئيسة للعدالة الانتقالية لا تكمن في غياب الإرادة السياسية بقدر ما تكمن في الفلسفة التي تقوم عليها، وهي فلسفة ما فتئت تلحّ على التزام المعايير الديمقراطية الليبرالية لمواجهة الماضي الأليم وردّ الحقوق لضحايا التسلط والاستبداد باشتراط جملة من الحقوق تسوّي بين الضحية والجلاد من دون مراعاة موازين القوى بينهما، وهو ما صار المدخل المفضل للجناة والجلادين حتى يتهربوا من مقتضيات العدالة واستحقاقات الاعتراف بالحقيقة والقبول بمعادلة المصالحة والمحاسبة.