عزّز نجاح الذكاء الاصطناعي وانتشاره الواسع مستوى الوعي بالعواقب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذه التكنولوجيا. وتُرافِق كلَّ خطوة جديدة، في سيرورة تطويره واستخداماته، تكهّناتٌ فحواها أنّ الوصول إلى ذكاء اصطناعي عامّ GAI، يضاهي القدرات البشرية أو يتفوق عليها، بات وشيكًا. وهي تكهّنات خيالية إلى حد بعيد، مثلها مثل تلك التي تظهر في الخطاب الحالي بشأن قدرات النماذج اللغوية الكبيرة Large Language Models وآثارها، في أعقاب ظهور "تشات جي بي تي" ChatGPT. وتؤدي هذه التوقّعات البعيدة المدى إلى احتدام نقاشٍ بشأن الأثر المجتمعي والسياسي للذكاء الاصطناعي، والذي تهيمن عليه المخاوف والحماس، من دون التركيز على سياقاتٍ أو حقولٍ بعينها. وعلى خلاف هذا التوجّه، تقدّم هذه الدراسة إطارًا للتحليل أكثر تركيزًا وإنتاجية. ولمناقشة التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي في حقل اجتماعي بعينه، هو الديمقراطية، أولًا، من الضروري توضيح كيفية عمله. ويعني ذلك التمييز بين ما يُروَّج له حاليًّا من مقولات، خيالية في معظمها، عن الذكاء الاصطناعي العام، وبين الذكاء الاصطناعي بمعناه الضيّق؛ أي الذي يركّز على حَلّ مهمّات محدَّدة. ويسمح هذا التمييز بمناقشةٍ نقديةٍ لكيفية تأثير الذكاء الاصطناعي في جوانب مختلفة من الديمقراطية، بما في ذلك آثاره في ظروف الحكم الذاتي وإمكانية ممارسة الأفراد له، والمساواة، والانتخابات بوصفها مؤسسة، والتنافس بين أنظمة الحكم الديمقراطية والسلطوية. وتُبرز الدراسة أنّ عواقب الذكاء الاصطناعي اليوم هي في الحقيقة أكثر دقّة مما يترتب على التكهّن الفضفاض بشأن قدرات الذكاء الاصطناعي العام. إنّ التركيز على هذه الجوانب المحدّدة يسمح برصد المخاطر والفرص الفعلية، ومن ثم ضبط أفضل لأثر الذكاء الاصطناعي في الديمقراطية، في إطار مجهود بينتخصّصي يجمع بين علوم الحاسوب والعلوم الاجتماعية.